فصل: البحث الأول تقسيم العظام بحسب منفعتها في البدن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.البحث الأول تقسيم العظام بحسب منفعتها في البدن:

قال السيخ الرئيس رحمة الله عليه نقول: إن من العظام ما قياسه من البدن قياس الأساس وعليه مبناه يعتمد مثل فقار الصلب فإنه أساس البدن عليه يبنى كما تبنى السفينة على الخشبة التي تنصب فيها أولًا.
إلى قوله: وجملة العظام دعامة وقوام البدن.
الشرح:
قد قسم الشيخ العظام ها هنا بحسب منفعتها إلى خمسة أقسام: أحدها: أن من العظام ما قياسه من البدن قياس الأساس عليه يبني البدن كما تبنى السفينة على الخشبة التي تنصب فيها أو لًا وهي الخشبة التي توضع أو لًا في وسط أسفل السفينة ممتدة في طولها من الطرف إلى الطرف ثم توصل بها أضلاع السفينة وتوصل بتلك الأضلاع باقي خشبها كذلك هذا القسم من العظام. وهو عظم الصلب.
فإن المستلقي من الناس يكون هذا العظم فيه على هيئة تلك الخشبة في تلك السفينة.
واتصال أضلاع الإنسان بهذا العظم كاتصال أضلاع السفينة بتلك الخشبة لكنهما مختلفان في شيء واحد وهو أن تلك الخشبة تجعل قطعة واحدة أو يحكم اتصال بعضها ببعض حتى تكون كالقطعة الواحدة وعظام الصلب ليست كذلك إذ لبعضها مفاصل سلسلة وسبب ذلك أن الإنسان احتيج أن تكون له حركة انثناء وانعطاف إلى قدام وخلف وإلى جانبين.
وإنما يمكن ذلك بأن تكون بعض مفاصل هذا العظم سهلة المواتاة للحركة وإنما يكون كذلك إذا كانت سلسلة ولا كذلك السفينة فإن وضع هذه الخشبة فيها أريد به القوة والثبات.
وإنما يتم ذلك إذا كانت قطعة واحدة أو محكمة كالقطعة الواحدة وأيضًا فإن هذا العظم للبدن كالأساس للبناء لان الأساس يبنى أو لًا ثم يبنى عليه باقي أجزاء البناء وكذلك هذا العظم في البدن.
ولقائل أن يقول: إنكم قد بينتم أن العظام كلها كالأساس والدعامة فلم جعلتم ذلك ها هنا خاصًا بهذا الصنف منها قلنا: الذي اختص به هذا الصنف أنه كالأساس والدعامة لجميع البدن وأما سائر العظام فإنما هي كذلك للأعضاء التي تكون فيها.
وثانيها: أن من العظام ما قياسه من البدن قياس المجن والوقاية كعظام اليافوخ وسبب ذلك أن الدماغ احتيج أن يكون موضعه في أعلى البدن لما نذكره بعد.
وجوهره شديد اللين فيكون شديد القبول للتضرر بما يلاقيه ولو بأدنى ضغط فاحتيج أن يكون مصونًا عن ملاقاة ما يصل إليه من جميع الجهات وإنما يمكن ذلك بأن يحوط من جميع النواحي.
ولا يمكن أن يكون ذلك بعضو لين وإلا لم يكن له غنى فلا بد وأن يكون بعضو صلب يشتمل عليه من كل جهة وذلك هو عظام الرأس. فيكون الغرض الأقصى في خلقه هذه العظام هو أن تكون كالجنة للدماغ.
وهذه المنفعة ليست بالذات للبدن كله ولا كذلك منفعة الصلب إذ هي منفعة بالذات للبدن كله كما بان عن أنها أساس للبدن بجملته وهذه العظام للدماغ كالأضلاع للقلب.
ولقائل أن يقول: ما السبب في خلقه هذه العظام متصلة لا فرج بينها بخلاف الأضلاع مع أن القلب أشرف فكان ينبغي أن تكون جنته أشد صونًا قلنا: السبب في ذلك أمران: أحدهما أن الأضلاع موضوعة حيث ينالها الحس ولا كذلك الرأس فإنه غائب عن حراسة الحواس فاحتيج أن يكون الاحتياط في توقيته أكثر.
وثانيهما: أن الصدر احتيج فيه إلى حركة انبساط وانقباض بإرادة ليست طبيعية كما بيناه.
وإنما يتم ذلك بخلقة العضل. ويحتاج أن تكون هذه العضلات كبيرة جدًّا وكثيرة لأن هذه الحركة عسرة فلو جعلت عظام الصدر متصلة ببعضها البعض لاحتيج إلى خلقة تلك العضلات فوقها واعلم أن لتخلل العضلات بين الأضلاع منفعة أخرى وهي تحلل البخارات وثالث الأقسام المذكورة: أن من العظام ما قياسه من البدن قياس السلاح الذي يدفع به المؤذي كالسناسن.
وهي عظام موضوعة على ظهور الفقرات لتمنع وصول المؤذي بعقب الملاقاة إلى الفقرات.
واحتيج إليها لأن ظهور الفقرات هو إلى خلف البدن فيكون حيث لا تشعر به الحواس.
فاحتيج أن تكون صيانتها من هناك شديدة فخلقت له هذه العظام وهي بمنزلة الزوائد التي هي على حجارة جدران القلاع وأسوار المدن إذ الغرض بتلك الزوائد منع وصول صدمة ما يلاقي من تلك الحجارة المنجنيق ونحوها وكذلك هذه العظام للفقرات.
ورابعها: أن من العظام ما هو حشو بين المقاصل لتملأ الفرج كالعظام السمسمانية.
وهي عظام صغيرة جدًّا توجد بين السلاميات فائدتها: منع الانجراد الذي توجبه ملاقاة أحد العظمين المتحركين للآخر إذ لم يمكن أن يكون بينهما غضاريف لئلا يثقل. وأيضًا ليمنع ميل السلاميات إلى الجهات فتكون الأصابع مستقيمة. هذا على ما قالوه وأما أنا فيظهر لي والله أعلم أن هذه العظام لا وجود لها.
وخامسها: أن من العظام ما الحاجة إليه أن يكون علاقة لبعض الأعضاء كالعظم اللامي.
فإن الفائدة فيه أن تتعلق به عضلات الخد واللسان لأن فعل العضل إنما يتم بالتقلص الجاذب للعضو والانبساط المرخي للوتر حتى ينبسط العضو المتحرك وإنما يكون هذا التقلص جيدًا إذا كانت العضلة متشبثة بجسم يلبث عندها.
وإلا كان ثقل المراد تحريكه ربما غلب تشبث العضلة فنحاها عن موضعها ولم يتحرك هو ولا بد وأن يموت هذا العضو الذي تتشبث به العضلة صلبًا وإلا كان ربما يمتد عند غلبة ثقل العضو الذي يراد تحريكه.
فلا بد وأن يكون عظمًا أو شبيهًا به كالغضاريف ولو جعل ها هنا غضروفيًا لاحتيج أن يكون له ثخن يعتد به. وإلا كان ربما ينعطف عند قوة التقلص أو ينقطع.
ولو جعل ثخينًا لم يحتمله هذا الموضع فاحتيج أن يكون عظمًا ليمكن أن يكون رقيقًا.
فهذه هي الأقسام المذكورة في الكتاب. وللعظام أقسام أخر بحسب المنفعة.
فمنها ما هو بمنزلة الخشبة التي تدفع بها ما يميل من البناء ونحوه ليمنعه من إتمام الميل وذلك كالعظم الوتدي لعظام الفك الأعلى فإنه يمنعها عن الميل إلى الداخل وكذلك عظم العقب فإنه يمنعه ميل البدن كله عند القيام إلى خلف ومنها ما هو ممر كا الممر ينقذ من داخل إلى خارج ومن خارج إلى داخل ويكون بمنزلة الدهليز كعظام الأنف فإنها ممر لفضول الدماغ المندفعة إلى خارج والهواء المنجذب عند الاستنشاق إلى داخل ومنها ما هو لتحسين الخلقة كعظام الزوج فإنها تمنع حصول الثلم التي في مواضعها ليكون سطح ما عليها.

.البحث الثاني تقسيم العظام بحسب تجاويفها:

ما تحتوي عليه من التجاويف:
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
وجملة العظام دعامة وقوام للبدن وما كان من هذه العظام إنما يحتاج إليه للدعامة فقط أو للوقاية ولا يحتاج إليه لتحريك الأعضاء فإنه خلق مصمتًا وإن كان فيه المسام والفرج التي لا بد منها. إلى قوله: والعظام كلها متجاورة متلاقية.
الشرح:
كل عضو ولا بد أن يكون في جرمه خلل ينفذ فيه الغذاء إلى عمقه وهذا الخلل إن لم يكن محسوسًا سمي مسامًا ويسمى ما كان خلله من العظام كذلك مصمتًا لأنه مصمت في الحس وإن كان ذلك الخلل محسوسًا فإما أن يكون متفرقًا في جرم العضو كما في عظم الفك الأسفل فيسمى ما كان من العظم كذلك هشًا متخلخلًا أو لا يكون متفرقًا في جرمه بل مجتمعًا في موضع واحد فيسمى ما كان من العظام كذلك مجوفًا.
وكل عظم فإما أن يكون صغيرًا جدًّا كالأنملة بل كالعظام السمسمانية فلا يحتاج فيه إلى تجويف محسوس لأن هذا لصغره يتمكن الغذاء من النفوذ إلى قعره بسهولة لقصر المسافة أو لا يكون صغيرًا.
فإما أن يكون المقصود منه الحركة أو آلة الدعامة والوقاية أو مجموع الأمرين.
والحركة تحوج إلى الخفة وذلك يقتضي التجويف. والدعامة والوقاية يحوجان إلى قوة الجرم وذلك يحوج إلى عدم التجويف وإذا اجتمع الأمران روعي كل واحد منهما وتكون أكثر العناية مصروفة إلى الأهم منها وهو الذي الحاجة إليه من ذلك العظم أشد فلذلك خلق عظم الفك الأسفل كثير التجويف متخلخلًا لتكون خفته كبيرة إذ معظم الحاجة إليه إنما هو الحركة.
وخلق العظم الوتدي مصمتًا لشدة الحاجة فيه إلى الدعامة والوقاية والوثاقة مع عدم الحاجة إلى الحركة.
وخلق كل واحد من عظمي الساق والساعد ذا تجويف واحد لاجتماع الغرضين فيه.
لأن عظم الساق مجوفًا يحتاج إلى قوة الجرم ليكون قويًّا على حمل البدن ويحتاج إلى الخفة لأجل سهولة الحركة ففائدة تجويفه أن يكون أخف وفائدة توحيد التجزيف أن يبقى جرمه قويًّا فتجتمع الخفة من القوة وهذا كما في القنا والقصب.
قوله: وجعل تجويفه في الوسط واحدًا ليكون جرمه غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرقة.
أما أن هذا التجويف يكون في الوسط فلأمرين: وثانيهما: أن التجويف لو مال إلى جهة لضعف جرم العظم من تلك الجهة فكان يتهيأ للانكسار منها وذلك لأن الجوانب إذا كانت كلها متساوية في القوة لم يمكن الانكسار من جهة منه أولى منن غيرها فيكون حصوله أعسر ولو كان كل واحد من الجوانب أضعف من الجانب الذي ضعف لو حده وكذلك فإن الصفارين ونحوهم يحزون الموضع الذي يريدون الانكسار منه حزًا يسيرًا فينكسر المنحز من ذلك الموضع أسهل مما لو كان جرمه من كل جانب بتلك القوة وما ذلك إلا لتعيين موضع يكون أولى بالانكسار.
وأما أن هذا التجويف يكون واحدًا فلأنه لو كان كثيرًا لضعف جرم العظم لأجل تخلخله.
وأما قوله: ليكون جرمه غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرقة منه فهو مشكل.
وذلك لأن اللازم لكون التجويف غير واحد.
وهو أن يكون كثيرًا متفرقًا في جرم العظم ويلزم ذلك أن يكون جرمه ضعيفًا.
وأما أن مواقف الغذاء تكون كثيرة متفرقة فإنما يلزم لو كان التجويف صغيرًا حتى لا يبقى الواحد بأن يكون كافيًا في التغذي فيحتاج أن يكون كثيرًا فيكون ذلك تقليلًا لفائدة خلقه ذلك التجويف عظيمًا لكونه واحدًا وقد ذكر الشيخ للمخ ثلاث فوائد.
إحداها أن يغذ العظم وقد تكلمنا في ذلك فيما سلف.
وثانيتها: أن يرطبه حتى لا يجف بالحركة حركة وإنما ذكر فائدة الترطيب ولم يذكر فائدة التغذية. لأن فائدة التغذية معلومة.
بل هي فائدة مستقلة بنفسها فيكون السكوت عنها غير مستقبح ولا كذلك فائدة الترطيب.
فإنه قد يظن أنه ضار بالعظم وخصوصًا الذي يراد أن يكون جرمه قويًّا لأن قوة العظم تتبع صلابته والترطيب يمنع الصلابة.
وثالثها: أن يكون العظم كالمصمت مع كونه مجوفًا.
ولقائل أن يقول: إن هذا مما لا أثر له في زيادة القوة فلا يصلح أن تكون فائدة فيها.
قوله: والتجويف يقل إذا كانت الحاجة إلى الوقاية أكثر ويكثر إذا كانت الحاجة إلى الخفة أكثر.
هذا يعتبر بحسب أمور: أحدها: اختلاف نوع عظام البدن الواحد. فإن عظم الساق يحتاج إلى الخفة أكثر من عظم الفخذ لأن حاجته إلى الحركة أكثر من حاجة عظم الفخذ.
وثانيها: اختلاف الأبدان في القوة فإن البدن الذي عضله ضعيف الخلقة يحتاج أن تكون عظامه أخف. لتمكن القوة الضعيفة إقلالها ولا كذلك البدن القوي العضل.
وثالثها: اختلاف الأبدان في السن فإن الشيخ تضعف قوته عن تحريك الثقل فتحتاج أن تكون عظامه أخف. وذلك يحصل بسبب تخلخل أعضائه لقلة اغتذائها.
ورابعها: اختلاف نوع الحيوان.
فإن الحيوان الشديد البطش كالأسد يحتاج أن تكون عظامه شديدة القوة إنما يكون كذلك إذا لم يكن تجويفها كبيرًا.
قوله: والعظام المشاشية خلقت كذلك هذه العظام هي الموضوعة حذاء ثقبي الأنف.
وهي شديدة التخلخل وخلقت كذلك لأمرين: أحدهما: لتتمكن أجزاؤها من سهولة استعمال الغذاء مع شدة حاجتها إلى الخفة لئلا تثقل مقدم الدماغ.
وثانيهما: ليتمكن ما يحتاج أن ينفذ فيها من النسيم وفضول الدماغ المدفوعة من جهة الأنف من سهولة النفوذ وليمكن أن ينفذ فيها من الهواء قدر صالح ليفي بترويح الدماغ وليكون ما يتصعد معه من الأجزاء الحاملة للرائحة قدر يجوز معه إدراكها وحاجة إدراك الرائحة إلى تخلخل هذه العظام أكثر من حاجة ترويح الدماغ.
لأن هذا الترويح قد يتم إذا كانت المنافذ في هذه العظام ضيقة بأن يكون نفوذ الهواء فيها قليلًا قليلًا في زمان طويل بحيث يقل زمان الفترة بين كل تنفسين ولا كذلك إدراك الرائحة فإن الحاسة إنما تدرك المحسوس إذا ورد منه في وقت واحد قدر يعتد به.
وأما إذا ورد بالتدريج فإن الوارد في كل وقت يكون قليلًا جدًّا فكان لا تقوى الحاسة على إدراكه فلذلك لم يتعرض الشيخ ها هنا لأمر الترويح واقتصر على ذكر الرائحة.
والله أعلم بغيبه.